قصه المصيدة
مكنش ليها لازمة أبدًا القعدة دي، المطرة بقت سيول ، الساعة مكملتش 9 وإحساسي إننا تخطينا نص الليل ، ده غير البرق والرعد والمؤثرات الرهيبة دي، تقريبًا مكنش ينفع أروح البيت يوميها، كان لازم أبات في المكان ، أنا وجهاز الراديو المهكع ومحطة الأغاني القديمة، ما هو التليفزيون عطل من أكشن الطبيعة ولقيت الراديو الأسطوري المنقرض، مش هعترض، كان زماني بخبط دماغي في الحيط.
اللي كان غايظني تحكم صاحب المطعم (ده لو هنتفضل ونعتبر الخُن ده مطعم)، المكان لسه فاتح ملوش أسبوعين ، أسبوعين ونص، الناس لسه معرفتوش، بناخد مكالمة أو اتنين في اليوم بالكتير، وفي المود ده محدش متخيل أصلًا أنه فاتح ومحدش كان هيطلب ديلفري، وأنا يدوبك اللي بوصل الطلبات، كلهم قرروا يأجزوا ويتدفوا جوه بطانياتهم في جو أسري جميل وجت عليا، يقعدوني، طب ليه!!
مكنش ينفع طبعًا أعترض، مصدقت لقيت شغل ومبقاليش يعني، مش هتشرط، مليش غير إني أبقى ممسحة المكان وأقول كمان.
قصه المصيدة
فردت جسمي على الكرسي القديم المتهالك المقطع، اللي برغم كده كان مريح، عيني كانت شبه مغمضة وأنا بسمع حفلة لعبد الحليم، برمجت نفسي أن الليلة هتكمل على نفس النمط لحد ما أروح في النوم، كانت دي قناعتي قبل…..
قبل ما الموبايل يرن، الموبايل المُخصص للطلبات…..
أكيد حد غلطان في الرقم أو بيعاكس، مش ممكن يكون حد عايز ديليفري بجد…
فجأة اتوترت، معرفش ليه، كأني أمين على محل دهب إياك! إحساس المسؤولية، إني أنا اللي هشيل كل الموضوع، هسخن الأكل وأحاول أوصل بسرعة من غير ما المكنة تغرز في الطين أو تتقلب بيا وكمان اتأكد أن المكان مقفول كويس. فقت على التليفون اللي لسه بيرن، اللي بيتصل مُصر! أمري لله….
رديت بثقة وقلت اسم المطعم…
-9 شارع عوض عزاب…
وبس!
اللي بيتصل قفل بعدها… صوت واطي، نبرة مهزوزة، كلام سريع…
لا طلب أكل معين ولا قال حتى سلامو عليكوا. أفهم أنا ايه بقى؟….بس قال عنوان ولا قالت؟ ملحقتش بس أنا شبه متأكد إنه صوت ست، ومعنى أنها قالت عنوان يبقى طلبت صح، عايزه ديلفري من عندنا….
جربت أتكلم تاني، محدش رد….أعمل ايه؟ اتجاهل الطلب ولا تبقى مشكلة، المكان لسه جديد، ومينفعش نغلط أو نقدم خدمة مش قد كده أو نتجاهل طلب…
مكنش قدامي غير حاجة واحدة بس، أفترض إنها عايزه الوجبة السبيشال اللي عرضنيها على صفحتنا، أيوه هو ده الحل، أسخن الوجبة دي وأتحرك بعدها فورًا.
أول ما فتحت الباب عشان أخرج وقفت، اتسمرت في مكاني، الأرض كانت غرقانة، الشوارع اتحولت طين، بس مش هو ده اللي وقفني…
حاجة مش مفهومة، حاجة بتقول لي متحركش، مروحش العنوان، مسلمش الطلبية، هدوء، هدوء مخيف، كأني وسط غابة وحدسي بيقول لي في حاجة مش شايفها حواليا، حاجة هادية عشان بتترصد لي…
ومع ذلك، خرجت من الباب…
ركبت الموتوسيكل وانطلقت. الحركة بطيئة عشان الطين اللي مغرق الشوارع ، اتأخرت، اتأخرت طبعًا، وبرغم ده، متكلمتش، صاحبة الطلب متكلمتش تسأل…
طب ما أكلمها أنا، اعتذرلها عن الـتأخير وأقول لها إني جاي في السكة…
محدش بيرد، مرة لحد ما الخط قطع، ومرة تانية، ومع ذلك كملت طريقي….
دخلت الشارع، صحيح كل الشوارع كئيبة والأنوار خفيفة، لكن الشارع ده بالذات كان ضلمة، مشفتش أي نور، أي عامود، أي عربية معدية!
مشيت ببطء، لحد ما لقيت عامود واحد بنور ضعيف، على النور ده لمحت الفيلا، فيلا رقم (9)…
نزلت من الموتوسكيل وفإيدي الكيس، وقفت قدامها ورفضت أدخل، عشان مش ممكن تكون هي دي الفيلا! مفيش أي نور، الشبابيك يا مكسرة ، يا عليها أشبار تراب، محدش قاعد هنا دلوقتي!
أما الفيلا اللي جنبها، فيلا رقم (10) أهي دي منورة، سامع جواها حركة، وصحيح الشبابيك مطينة من المطرة، بس مش متهالكة! ممكن، لأ ، أكيد هي دي، أكيد أنا سمعت غلط، 10 شارع عوض عزاب، مش 9…
بكل ثقة لفيت واتوجهت لفيلا (10)
كأني عيل صغير، كنت مرعوب وأنا واقف لوحدي ورا البوابة ، شوية الثواني دول وقبل ما يظهر حد، عشان مكنتش حاسس إني لوحدي، حاجة موجودة معايا، بتراقبني ومش شايفها، واتشاهدت لما حد فتح الباب، بالعافية قدرت أشوفه ويشوفني. فتح نور على الباب وميزت ملامحه أكتر..
-نعم؟
-حضرتك كنت طالب دليفري.
-لأ، أنا مطلبتش حاجة.
لساني اتلجم، معرفتش أرد، لقيت نفسي بتلقائية ببص حواليا، مين ممكن يكون اللي طلب، مفيش غير الفيلا دي اللي قريبة جدًا من فيلا (9) وأنا أكيد مش همشي أخبط على كل الفيلل بالمساحات البعيدة دي..
-حاجة تانية؟
حركت راسي وابتسمت ابتسامة خفيفة، بطمن بيها نفسي مش بطمنه، ابتسامة متوترة بتخفي حيرة وخوف غريب…
اديته ضهري ومشيت….
أنا متأكد! لمحت نور بيرعش، نور خفيف جدًا من الدور الأرضي لفيلا (9)، دور مكانش على مستوى الأرض، تحتها، زي قبو، أوضة غفير أو مشروع جراج للفيلا مثلًا، للحظات لمحت النور، بس لقيت نفسي بمشي بسرعة وببص قدامي، مش عايز أفضل هنا كتير…
ركبت الموتوسيكل وانطلقت. وصلت لآخر الشارع وكنت خلاص هخرج منه لولا أن موبايل الطلبات رن…
-9 شارع عوض عزاب…
وقفلت! حاولت أتكلم بسرعة، اسألها واتأكد منها، أنهي فيلا وأنهي شارع وأنهي منطقة والطلب اللي عايزاه، بس نفس الحكاية، قالت جملتها وقفلت، كنت بكلم نفسي….
شايف المخرج، آخر الشارع، الطريق الواسع ….مع ذلك لفيت ورجعت….
المشهد كان بطيء جدًا وأنا بمر جنب فيلا “9” ، شفت نمط، رعشة النور الخفيف، زي نور فانوس عربية ضعيف وسط طريق مضلم، متهيألي في الأحوال العادية مكنتش هاخد بالي من نور زي ده، بس يمكن بقيت زي الحيوانات في الخلا، أو كائنات عايشة بره الحيطان، الحواس بتاعتهم بتبقى حادة، لما السقف بيتشال والغطا بيروح…
رجعت بصيت قدامي، تجاهلت اللي شايفه ولقيت نفسي تاني بركن جنب فيلا “10” وبنزل….
حاولت أبان ثابت وأخفي الرعشة اللي في ايدي…
الراجل بصلي من فوق لتحت، وفضلت ساكت ثواني، مش لاقي حاجة يقولها وفي الآخر نطق باستنكار:
-نعم؟!
-لو سمحت حضرتك ممكن تتأكد أن مفيش حد في البيت غيرك عمل طلب، عشان الرقم كلمني تا…
-حد مين؟؟ مفيش غيري أنا ومراتي وابني، مراتي نايمة..
-وابنك؟
-عنده سنتين، هيعمل دليفري؟؟!
راسي كانت هتقع مني، بصيت في الأرض ومردتش، خدت بعضي من سكات ومشيت…
أوقات بيبقى في شعور جوانا، صوت بيقولنا وبيورينا حاجات لسه هتحصل، أوقات نادرة بنبقى متصلين مع الصوت ده ومتأكدين من اللي بيقوله ، متأكدين من اللي هيحصل، الصوت المدفون جوايا ده قال لي الموضوع مش هيخلص على كده….
مشيت في اتجاه الموتوسكيل ، مديت رجلي عشان أركب بس رجعت وقفت مكاني لما الموبايل رن، بصيت على الرقم، فضلت باصص، مردتش. لفيت ومشيت بسرعة، متحفز، غضبان، عايز أفهم، عايز الموضوع يخلص بأي شكل…
خبطت بإيدي الاتنين المرة دي، زي ماكون ههد الباب…
فتحلي وعنيه بتطق شرارة…
-لو ده هزار من فضلك بطل، أنت وأي حد عندك في البيت، الناس مش لعبه، خصوصًا الشقيانين، وفي الجو والظروف دي!
-أنت بتقول إيه، أنت حيوان يالا، بتزن على خراب عشك؟!
-مهي مش صدفة أول ما تقفل الباب وقبل ما أركب وأمشي الرقم يكلمني تاني!
-رقم إيه وبتاع إيه، إمشي يالا يأما هطلبلك البوليس، أو أسبق أنا وميلحقش ييجي ياخدك
حسيت بسخونة رهيبة ف وشي ، دمي بيغلي والدموع بتتجمع ومحبوسة جوه عيني. هو شاف ده، شاف الحيرة والغضب والانكسار ونبرته بعدها اتغيرت..
-ارجع مطرح ما جيت.
-يبقى في سوء تفاهم، يبقى هي الفيلا، والناس مش مشغلة نور، ويمكن معندهاش إمكانيات تشطبها…
-فيلة مين؟
-فيلا 9، اللي جنبكم، هما اللي طالبين ، هروحلهم دلوقتي، الغلط من عندي، آسف على الإزعاج.
-أنا جيت هنا من 10 سنين ومكنش في حد، وعرفت أن كمان قبلي بسنين أصحاب الفيلا دي مشيوا، من غير ما يبيعوا، في يوم واحد هجروها، ومحدش جه مكانهم، مش ممكن يكون حد طلبك من هناك!
السخونة اتحولت لبرودة، قبل كده مكنتش حاسس بالسقعة، ساعتها بس حسيت، الجو كان برد، برد أوي، ومليش مهرب منه ولا دفا….
همر بسرعة من جنبها، هنطلق ومش هبصلها ولا هبص ورايا، دي كانت نيتي، بس العكس حصل!
لقيت نفسي بمشي بطيء من جنبها، دماغي اتلوحت وأنا براقب الفيلا، الدور الأرضي، والنور اللي اتأكدت أنه موجود، وبيرعش كأنه لمبة، وبعد لحظات لقتني بقف…
مش فضولي بس اللي وقفني ورغبتي أروح بنفسي واتأكد، لكن كمان الراجل المتشرد اللي بيتمشى في الجو ده، مش لابس غير هدوم خفيفة مقطعة، شعره طويل ومنكوش ووشه وجسمه مطين، بس كأنه مش حاسس، مش داري بالصقيع ولا الطين اللي مغرقه… دي مش أول مرة، مش أول مرة ألمحه، أنا شفته قبل كده!
كان موجود المرتين اللي جيت فيهم، موجود مالأول، غريبة، راجل متشرد في حي زي ده، فاضي ومفيهوش ناس ممكن تساعده، ايه اللي يخليه يختار المكان هنا…
خد باله مني ، كان سرحان في ملكوت وفجأة بصلي وركز معايا، عينه مش بتتشال من عليا، مشي في اتجاهي، جايلي أنا…
-إبرة وخيط!
-إبرة و…؟
-جواه فاضي، جسمه فاضي، كأنه عروسة، وإبرة وخيط…
وهو بيتكلم كان بيعمل حركة بإيده كأنه بيخيط…
-إبني بقى عروسة في سلة زبالة، جواه فاضي، إبرة وخيط…
وقفت الموتوسيكل، نزلت منه ومشيت في اتجاهه، بس مكنتش رايحله، كنت رايح للفيلا…
مريت من جنبه وأنا مركز معاه، الراجل ده مش بيقول أي كلام ومش من الدراويش، أنا متأكد أن وراه حكاية….
اتخطيته واديته ضهري وكملت في طريقي للفيلا…
-هتبقى لعبة، عروسة فاضية من جوه، هتتخيط بإبره وخيط!
كان بيقولها وهو بيزعق، بس ده موقفنيش، جسمي بقى بيتنفض أكتر وعيني بترف، وقلبي هيقف من الحركة العنيفة، ومع ذلك كملت، كأني مش متحكم في جسمي، سجين جواه ومليش رأي عليه…
وصلت، وقفت على مستوى الدور الأرضي وبصيت لتحت، القبو اللي فيه النور الضعيف، قدرت أميز لأول مرة، عواميد صغيرة معدن، قضبان! في فراغات في النص، شكل شبابيك السجون. قعدت على ركبي، طلعت الموبايل ورنيت على الرقم اللي كان بيتصل ، لحظات وسمعت صوت واطي، رنة موبايل قديم مش smart ، الموبايل جوه الأوضة اللي تحت الأرض!
فضلت حاطط موبايلي على ودني وأنا براقب الأوضة، لحد ما الرنة وقفت، حد رد…
-9 شارع عوض عزاب!
-أنا هنا!
سمعت صوت شحتفة وبعدها الصوت رد:
-إلحقني…
وش ظهر ورا القضبان، مكانش واضح خالص، قُصة منعكشة مغطية العين، عيون مذعورة.
-الحقنييييييييي.
مدت ايدها بين القضبان، كفها بس وحته من دراعها قدرت تخرجه. قدرت أميز برغم الرؤية الضعيفة إنها بنت، وأظن بنت صغيرة آخرها 12، 13 سنة.
رجعت لورا ف ذعر، ببعد عن ايدها، مش عايزها تلمسني، مش عايز أستوعب أو أحاول أفهم اللي بيحصل.
وقعت وأنا بحاول أقوم، هدومي وجسمي اتغطوا بالطين. في الآخر قمت وجريت على الموتوسكيل، معنديش فكرة هعمل إيه بعد كده، بعد ما بقى عندي علم عن كارثة وإن كان الأمر أكبر مني ومن إستيعابي…
أول رد فعل لما ركبت الموتوسيكل هو إني جربت اكلم البوليس، والخط كان دايمًا مشغول. اتحركت، مش عارف رايح فين أو لمين…
أول تقاطع أقابله، أمشي يمين ولا شمال…شمال، شايف كشاف في إيد حد، على بعد أمتار، واحد واقف، حارس أمن!
جريت في اتجاهه، كان لوحده، مظنش معاه سلاح، كشاف بس وجنبه كشك، هو كده يعني مستعد لأي حاجة تحصل في المنطقة؟! ما علينا مفيش غيره دلوقتي ممكن ألجأله.
شاورلي عشان أقف، ميعرفش إني كده كده كنت هقف.
قعد يتفحص، يبصلي بريبة كأنه ضابط شرطة.
-رايح فين؟
-جاي من فيلا 9، في بنت مخطوفة هناك!
-نعم ياخويا؟!
-بقولك في بنت مخطوفة ومحبوسة هناك، لسه شايفها.
-فيلا 9 مفيهاش حد!
-فيها، فيها بنت مخطوفة بقولك.
-الفيلا دي مهجورة من زمان، مفيهاش بشر، متصدقش أي حاجة شفتها أو سمعتها.
-يعني مش هتيجي معايا، افرض طلعت غلطان وفي فعلا بنت مخطوفة.
هز راسه بثقة ورد:
-لأ أنا مش غلطان، ومع ذلك لو أنت متأكد ممكن ترجع، وحاول تنقذها، لو مش هيرتاح ضميرك غير بكده.
– يعني مش جي معايا؟
-لأ مش جي.
كنت حاسس إني بقرب لنهايتي مع كل خطوة، ومع ذلك كملت، ركبت الموتوسيكل ورجعت للمشهد المرعب تاني، بس المرة دي مش مجرد هبقى متفرج، المرة دي هدخل فيه..
وصلت لنفس المكان، وطيت عشان اشوف البنت، النور اللي بيرعش كان لسه موجود، بس هي لأ، مش شايفها. فتحت البوابة ودخلت. لقيت سلم حلزوني بيودي للدور اللي تحت الأرض، نزلت عليه، ولحد ساعتها مكنتش سامع حاجة، صوت الريح وبس.
لقيت ساحة كبيرة مفتوحة، يمكن كانت معمولة عشان تبقي جراج مثلا زائد الأوضة اللي في الجنب، الأوضة اللي جواها البنت المخطوفة.
قصه المصيدة
بشجاعة معرفش جبتها منين لقيت نفسي رايح في اتجاه الأوضة وبفتح الباب….
أنا لازم أنقذها، لازم أنقذ البنت، هو ده كان كل هدفي، واللي بيتردد في دماغي، مش مهم هقابل إيه أو مين، مش مهم يحصل لي إيه، مش مهم إني لوحدي، لكن.. هي فين؟ فين البنت؟
مفيش أثر ليها، مفيش حد هنا، مفيش غير النور الضعيف اللي بيرعش… هدوء، مفيش غير صوت أنفاسي وريحة بشعة، بس بعد حوالي دقيقة، إحساسي إتغير، المكان ده مش فاضي!
في صوت نفس تاني، حد ورايا، حد بيراقبني، لفيت ولقيته واقف…
راجل، مش مريح ، ملامحه تخوف، عينيه جامدة مفيهاش إنسانية ولا حياة، ده الخاطف، هو ده المجرم اللي خطف البنت وحبسها هنا، ودلوقتي جه دوري، أكيد مش ناويلي على خير أبدًا…
أطول لحظات في حياتي، كأن الكون كله وقف عن الحركة، والزمن كمان، مفيش صوت ولا وجود بعد ربنا غير ضربات قلبي، هي دي اللي ملت الأركان، كنت سامعها كأنها طبول بتبلغني باللي هيحصل لي، لكن مش هو بس! في حد تاني، وجود تاني، بصيت قدامي لقيتها، البنت المخطوفة! بس من قريب شكلها مش صغير زي ما كنت متخيل، مش 13 سنة، دي شابة، على الأقل 24 سنة، وملامحها، الرعب اللي شفته قبل كده، مش موجود، وشها مليان تراب وشعرها منعكش بس مش خايفه، بالعكس شفت في عينيها تحدي وفي ضحكتها اللي مقدرتش أفسرها شر!
ده كان في الأول، بس بعدها علطول بدأت أجمع، من غير شرح ومن قبل ما يحصل اللي هيحصل، عرفت، البنت دي مش مخطوفة، ولا هنا غصب عنها، ولا دي فيلة عفاريت وأرواح وعالم خفي زي ما ناس متخيلة، دول مش عفاريت، دول عصابة وقعوني في شباكهم وأنا الضحية! كل دي كانت قصة مرسومة عشان أجي هنا، في البقعة دي، في الوقت ده، دخلت المصيدة برجلي، من أول المكالمة اللي باينة إنها استغاثة، رقمنا اللي جابوه من الصفحات على السوشيال ميديا أو الورق المطبوع اللي طار هنا ولا هنا ووقع في أيديهم، والغموض، ووجودها قرب الشباك وايديها اللي اتمدت لي، والذعر اللي مثلته و….
سمعت خطوات، حد نازل على السلم، قرب بخطوات بطيئة واثقة وفتح الباب…
حارس الأمن! بس مكانش جي عشان ينقذني ولا اقتنع أن فعلًا في بنت مخطوفة، ده جه عشاني أنا، حارس الأمن هو تالتهم، هو الحلقة المتبقية من المصيدة!
“ومع ذلك لو أنت متأكد كده ممكن ترجع، وحاول تنقذها، لو مش هيرتاح ضميرك غير بكده..”
كان عارف بالظبط وهو بيقول الجملة دي، كان عارف تأثيرها، كان بيرجعني عشان أنزل بنفسي، لعبة نفسية!
ووقتها بس قدرت أميز، الريحة القذرة مكانتش غير جثث أو أعضاء بشرية، في ناس ماتت هنا قبلي، الحيطان قفلت عليهم زي الورد اللي بيقفل على الحشرات ويقضي على أثرهم وذكراهم، بيدفنهم جواه ويفضل مصيرهم مجهول بالنسبة للعالم بره.
وقبل ما أقدر أصرخ أو أعبر حتى، ضربة نزلت على راسي، وقبل ما أفقد الوعي والمشهد بيتهز لمحتها، هي اللي كانت ماسكة العصاية، هي اللي ضربتني وبعدها الصورة اتقلبت، بقيت على الأرض..
كنت مدرك، مشلول ومش قادر أتحرك بس مدرك، شالوني من عالأرض وحطوني على سرير صغير، متحرك ومعاهم أدوات، مشارط، وفي ايدهم جوانتي، مش قادر أحرك بوقي، الصوت محبوس جوايا، كأني فقدته أو فقدت اللغة نفسها، مش لاقي الكلام، دماغي بتأمر إيدي تتحرك بس إيدي مش بتستجيب والمفروض أبقى عالحال ده لحد ما يخلصوا، يخلوني….
عروسة في سلة زبالة، جواه فاضي، إبرة وخيط!!!!
المتشرد، يمكن عقله خف، يمكن عنده حالة نفسية، بس كلامه صح، عملوا في ابنه اللي هيعملوه فيا، لقاه في سلة الزبالة، فاضي من جواه، جسمه فاضي ومتخيط بإبرة وخيط، كان بيحاول يقول لي، كان بيحاول يحذرني! دول متمرسين ، موجودين بقالهم حبه وضحاياهم أكيد كتير..
المفروض كنت أفضل عالحال ده، بس إيدي اتحركت! عيني بدأت تبربش، قوة غريبة مشيت في جسمي وخلتني أقوم. التلاتة اتشلوا من الخضة، ده المفروض مكانش يحصل، الضربة كانت هتخليني عاجز وقت أكتر من كده، بسرعة اتحركوا بس أنا كنت أسرع، لقيت نفسي بهجم عليها، هي أول واحدة، بزقها و دراعي على رقبتها لحد أقرب حيطة، مكانتش عارفه تتنفس ووقعت في الآخر، لفيت وبقبضتي ضربت واحد منهم، وقبل ما يقع اخدت المشرط وبيه ضربت التاني في بطنه.. مكنتش أنا!…
عمري ما تخيلت أن القوة دي ممكن تخرج مني، أني هبقى غضبان بالشكل ده، كأني كنت مارد، أنا جسمي حتى إمكانياته متسمحش باللي عملته في الوقت اللي كنت المفروض فيه أبقى فاقد الوعي…
جريت بسرعة بعدها ، طلعت من الأوضة على السلم ، فتحت البوابة وخرجت، ركبت الموتوسكيل وقبل ما اتحرك لمحت حاجة بطرف عيني، بصيت ناحية الضل ودققت، كان ولد صغير مش لا بس حاجة من فوق، لونه أزرق باهت، جسمه متخيط من النص بالطول، كان مبتسم، قدرت أميز ده، برغم أن ملامحه تبان جادة، كان مبتسم إبتسامة خفيفة، كأنه فرحان إني خرجت، كأنه بيتطمن عليا، وأول ما بصيت قدامي الولد اختفى وأنا انطلقت بأقصى سرعة….
************قصه المصيدة
مافتتش ساعة ورجعت لنفس المكان مع ضابط وعساكر كتير، كان وقت الفجر والنور بدأ يخترق الأركان، الرؤية اتضحت، وياريتها ما بقت واضحة! مناظر عمرها ما هتتشال من ذاكرتي، أشلاء، بواقي بني آدمين، آثار دم ناشف، تلاجة جواها أعضاء، مشرحة كاملة، اللي ناقصها العصابة! ملهمش وجود، ولا واحد فيهم، تجار الأعضاء هربوا، سابولنا بس حل للغز الفيلا المسكونة، اللي طلعت مسكونة من شياطين إنس والعفاريت ملهمش أي ذنب…..
“تمت”
قصه المصيدة
#ياسمين_رحمي